نعود بالذّاكرة إلى حرب الـ 22 يومًا التي جرت في غزة في نهاية ديسمبر عام ٢٠٠٨، والّتي عملت خلالها الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران- بتعبير الإمام الخامنئي- بكافّة مستوياتها: من القيادة ورئاسة الجمهوريّة والمسؤولين والمدراء والجماهير والتظاهرات والأموال والمساعدات والحرس الثوري وغير ذلك؛ عمل الجميع لخدمة الإخوة الفلسطينيّين المظلومين. وفي ذروة ذلك الوضع، بدأ فايروسٌ ينتشر ويتكاثر؛ حيث بدأ يتردّد باستمرار إلى مسامع بعض العلماء ويقولون لهم: “من هؤلاء الذين تساعدونهم؟ أهالي غزّة من النواصب!” والنواصب هم أعداء أهل البيت (يكرهونهم) وصدّق بعضهم ذلك للأسف.
يعبّر الإمام الخامنئي عن جواب القيادة في ذلك الوقت: “قلنا: العياذ بالله، لعنة الله على الشيطان الرجيم الخبيث. في غزّة هناك مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومسجد الإمام الحسين، كيف يمكن أن يكونوا نواصب؟ هم سُنّة وليسوا نواصب. فهؤلاء المغرضين هكذا تحدّثوا…نعم، هكذا هم أهل السنة؛ أي، ينبغي أن لا يتصوّر أحد أنّ أهل بيت النبي هم للشيعة فقط، كلا؛ إنّهم لكلّ العالم الإسلامي. من ذا الذي يرفض فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)؟ ومن هو الذي يرفض الحسنين (عليهما السلام) سيّدي شباب أهل الجنة؟…يعتبرهم البعض أئمّةً واجبي الطاعة والبعض لا يعتبرونهم كذلك، لكنّهم لا يرفضونهم. هذه حقائق يجب فهمها وتكريسها”.
هذه حقائق يجب فهمها وتكريسهالكثير يعيب على فكرة الوحدة بين المسلمين، والوحدة عمومًا، أنّها مجرد نظريّات لا تصلح لأي تطبيق واقعي أو أنّها بعيدة المنال. وبالفعل، قد نتفّق أنّ أي نظريّة يقدّمها أيّ طرف إذا لم يعمّدها مع مرور الوقت على أرض الواقع تصبح بطبيعة الحال مجرّد حبر على ورق أو صريخٌ دون فائدة على منبر… وكما بدأنا من غزّة سنعود لغزّة، يسفك الدّم “السنيّ” اليوم في غزّة على أيدي أشقى الأشقياء بعد ملحمة الطوفان الكبرى، فيهبّ له “دمٌ شيعيّ” في جنوب لبنان والعراق واليمن ليستعمل كلّ الوسائل من الصاروخ الى الدم الى البحر إلى الجو، ويأبى أن يكون بمنأى عن حربٍ ودمار وأخيه في غزّة يُقتل كل دقيقة. يخوض سنّة غزّة مع شيعة لبنان واليمن والعراق أشرس معارك الأمّة مع عدوّها. فهل هناك تطبيقٌ للنظرية على الواقع أكبر من هذا؟ وهل هناك أصدق وأبلغ من الدّمّ؟
بقلم محمد يحيى
اترك تعليقاً