“فلاديمير بوتين”

“فلاديمير بوتين”

كتب هيثم خزعل

يقول فلاديمير بوتين “أننا وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وبعد تحول روسيا إلى دولة رأسمالية توقعنا أن يقبلنا العالم الأنجلوساكسوني بطبيعة الحال لكن هذا لم يحدث”، ويقول أيضا “أنه في العام ٩٩ عرض على الرئيس الأميركي كلينتون في حينه إنضمام روسيا إلى الناتو، لكن هذا لم يحدث وما حدث هو زحف الناتو إلى الحدود الروسية”. بعد عام ٢٠١٤ أيضا، عام الانقلاب الغربي في أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أبدى بوتين نواياه الحسنة بصياغة اتفاقية مينسك المرعية من القوى الغربية التي استغلت فترة السنوات الثماني الفاصلة عن إطلاق بوتين عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا لتسليح الأخيرة بانتظار إندلاع الصراع مع روسيا”.
في الوقت الضيق السابق لإطلاق العملية الروسية الخاصة، حاولت القوى الغربية ثني بوتين عن قراره دون نتيجة، كانت خلاصة كل الحوارات مع القادة الغربيين هو ما قاله لافروف بعد لقائه وزير الخارجية البريطاني في حينه “أن الحوار هو حوار أبكم مع أصم” أو ما نسميه نحن ب”حوار الطرشان”.
حتى في بداية العملية الخاصة، كانت الرهانات الروسية أن “الغرب الجماعي”، بمجرد التلويح بالعملية أو خوض فصولها الأولى، سيقبل بالجلوس إلى الطاولة والتفاوض مع روسيا وأخذ هواجسها الأمنية بعين الاعتبار وهذا كان سببا في المقتلة التي حصلت بحق الجيش الروسي في البداية، والرد الغربي الآخر كان بضم دول البلطيق والدول إلى الناتو وتأجيج الصراعات الجيوسياسية في القوقاز وآسيا الوسطى وهو أمر مستمر، بالإضافة إلى آلاف العقوبات التي هدفت إلى عزل روسيا بالكامل عن العالم وتقويضها من الداخل.
منذ ستة شهور ظهرت المؤسسات الدولية والقانون الدولي وكل آليات النظام الدولي الحالي دون قيمة ودون فعالية في إيقاف حرب الإبادة التي تشنها إسرا/ئيل برعاية غربية كاملة على قطاع غزة وسكانه. عبر أنطونيو غوتيريش عن هذا العجز بقوله أن هذه المؤسسات لم تعد صالحة للتعبير عن موازين القوى الجديدة الناشئة في العالم. إضافة إلى تقويض أسس الانتظام السياسي الدولي، فإن الغرب قوض الأسس المالية للنظام الدولي باستخدام “العقوبات” كسلاح في محاولة عزل وإخضاع الدول، والفصل الأخطر هو ما يعمل عليه اليوم، فبعد تجميد الأصول الروسية في الغرب يسعى الأخير اليوم في أكبر عملية سطو تاريخية إلى مصادرة هذه الأصول وتجيير أرباحها لتمويل أوكرانيا وهو ما يجعل كل الدول التي تمتلك ودائع وأصول في الغرب “تتحسس رقبتها”.
يقول وزير الخارجية الأميركي بلينكن في وصفه النظام الدولي” أنه إذا لم تكن مفترسا، فسيتم وضعك على المائدة، أي أنك ستقدم كطبق للمفترسين” في أوضح تعبير عن طبيعة النظام الدولي وطبيعة العلاقات الدولية.
لم يضع بوتين سقفا للعملية العسكرية الخاصة في بدايتها ولم يحدد أهدافا واضحة لها ولم يكن باعتقاده أن الغرب سيذهب في الصراع إلى حد المغامرة بتقويض كل أسس النظام الدولي القائم وهو ما حصل وما يزال مستمرا، وهو ما جعل الصراع دون أسقف وحده الوحيد الممنوع هو الصدام النووي المباشر. صراع كهذا لا يمكن أن ينتهي بتسوية بل بإعادة صياغة شاملة لكل الأسس الحاكمة لانتظام العالم ما يجعل البشرية برمتها على أعتاب مرحلة جديدة شاء التاريخ أن يكون فلاديمير بوتين هو من فتح الكوة الأولى في جدارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *