الصراع الشرقي والصراع الغربي الإمبريالي ومصلحة العرب والمسلمين والمتطلبات الموكلة إليهم!

الصراع الشرقي والصراع الغربي الإمبريالي ومصلحة العرب والمسلمين والمتطلبات الموكلة إليهم!

بقلم أ. مهيب صدوق

اصبح من الواضح أن ” الصعود الصيني – الروسي أحد أهم التحديات التي تواجه المنظومة الرأسمالية الغربية…ولماذا أرى أن مصلحة العالم العربي والإسلامي تقتضي تبني طريق ثالث؟”  إلى أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يعيش أزمة عميقة، وأن توالي الأزمات و الصدمات يقود بالتبعية، إلى ظهور قوى ومراكز مالية واقتصادية خارج المنظومة الحضارية الغربية..و المؤشرات الكمية و النوعية  تدل على أن الصينيين والهنود  يوطدون سيطرتهم على مفاصل الرأسمالية العالمية، وهم من يكتنزون وسيكتنزون  الأموال في المستقبل القريب، فمراكز مالية كشنغهاي وبومباي وموسكو أصبحت تتعاظم قوتها بالتدريج، بعد تراجع نسبي للمراكز التقليدية في الغرب بعد الأزمة المالية ل 2008 أما العرب والمسلمون فلم يحن الوقت بعد ليكونوا البديل الخاص الذي يخدم مصالحهم و يحترم ثقافتهم و قيمهم الدينية و الحضارية أو ما يمكن أن نسميه بالطريق الثالث”،  و أنهم بعيدون كل البعد عن مصادر القوة التي بين أيديهم و في مقدمة ذلك الدين الإسلامي…

و ليكن انطلاقنا في التحليل الأطروحة “نهاية التاريخ”، و أن الصراع الدائر بين الغرب من جهة و الشرق من جهة أخرى بعوالمه المختلفة و المتميزة، رغم أنه محكوم بمعطيات اقتصادية و جيوبوليتيكية، لكنه أيضا صراع قيم أو “صراع حضارات” … و لعل افضل من تنناول هذا الصراع  المفكر السياسي الأمريكي “صمويل هنتنجتون” في كتابة  ” صدام الحضارات وإعادة ترتيب النظام العالمي” والكتاب ركز على وضع  العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة والتي بدأت في عام 1991 بعد حل الاتحاد السوفيتي ، و يرى  “هنتنجتون” أن أهم اختلاف بين الشعوب حاليًا هو اختلاف ثقافي، أي أن الحرب ليست عسكرية بل حرب ثقافية بين الحضارات المختلفة، خصيصًا بين المسلمين وغير المسلمين…

وقد سبق هنتنجون في كتابه “صدام الحضارات” هو عدد من المفكرين مثل المفكر المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري و البروفيسور المهدي المنجرة .ولكن تحت مسمى آخر” الحرب الحضارية” و قد إعترف “هنتنغتون” بذبك عندما أشار في كتابه :”  أن العلامة المغربي قد اطلق على حرب الخليج أنها الحرب الحضاراتية الأولى، وهي في الحقيقة الحرب الحضاراتية الثانية، الأولى كانت الحرب الأفغانية السوفييتية 1979 ـ 1989، كلا من الحربين بدأت بغزو دولة لدولة أخرى، ولكنها تحولت بشكل واسع، وأعيد تحريرها كحرب حضارات ” ..

ويمكن المقارنة بين الحضارات القديمة والمتجذرة في عمق التاريخ وبين الغرب المتغطرس صاحب الحضارة الأقل عراقة وتجذرا حيث أن ” الغرب متغطرس ثقافيا لأن فضاءه الزمني التاريخي محدود، وحين تذهب إلى العراق أو الصين أو إلى أمريكا اللاتينية تجد لديهم ثقافة متجذرة ومتطورة، وفي الولايات المتحدة تجد بالمقابل الأكلات السريعة.. إن التقدم العلمي لا يعني آليا امتلاك ثقافة التواصل مع الآخر” .

 نرى بنظرتنا لصراع الحضارات بانها وقائية بنائية، الغاية منها “ترسيخ قيم العدالة الإنسانية، وتفادي الكوارث اللاإنسانية في حق البشرية جمعاء بنبذ الكراهية والتحريض، وضمان استمرارية تاريخية للقيم المثلى”. في حين يسعى هنتنغتون إلى تأجيج الصراع وخلق حالة من الرعب لدى الشعوب التي تنتمي الى الحضارة الغربية ودب الذعر فيهم وتخويفهم من الإسلام والحضارة الصينية الكونفوشية على وجه الخصوص. فأطروحة “هنتغتون” في صراع الحضارات تقوم على قاعدة أن الصراع بين الدول و الشعوب لم يعد أيديولوجيا أو سياسيا أو اقتصاديا، بل إنه الإختلاف الثقافي و الديني، وقد وضع تسلسلا زمنيا لمراحل و أشكال الصراع في التاريخ الإنساني. فأول ما بدأ الصراع حسب رأيه بين الملوك والأباطرة، ثم أصبح الصراع  بين الشعوب أي بين الدول القومية،  ثم أيديولوجياً إبان الحرب الباردة.. أما في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أصبح الصراع بين الحضارات أو بمعنى آخر بين الهويات الثقافية المختلفة. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وتفجير مركز التجارة العالمي وكأنها تؤكد صحة نظرية “هنتغتون”..

وإذا  كان طرحنا كما تعلمنا من المنجرة رحمه الله هو الوقائي يحاول تأسيس عالم السلام والأمن والعدل والقيم الإنسانية المثلى، في حين يسعى هنتنغتون إلى تأسيس عالم الحرب والعنف والخوف.. فإن المنجرة يعتبر التدخل الذي حدث ضد العراق بعد نهاية الحرب الباردة مباشرة، ليس الهدف منه، كما يبدو في الظاهر، العراق بصفة خاصة، إنما العراق رمز فقط، لأن المقصود الرئيسي من ذلك التدخل هو العرب والشرق الأوسط والإسلام ، لأن الغرب صار في موقف دفاعي عن النفس، لأنه أحس بالخطر على حضارته وسيادة قيمه، فأقدم على الحرب، للأسف، بدون أن يكترث إلى تلك القيم الحضارية، التي تدعو إلى التعايش والتواصل بين الشعوب، إذ يقول في ذلك: “لقد تبين لي أن الغرب أحس بالخطر على حضارته وسيادة قيمه، فأعلن الحرب بدون اكتراث بالقيم الحضارية والثقافية للتواصل بين الشعوب ولبناء السلام، فلا يمكن أن نبني السلام بدون احترام قيم الآخر”..

و هذا ما  يؤكده تحليل  “هنتنجتون” الذي يرى أن هناك  : “صراع مستمر بين العرب والإسلام و الغرب منذ نشأة الإسلام في القرن السابع الميلادي، وبين عامي 1820 – 1920، حوالي 50% من الحروب “التي تضمنت ثنائيات من ذات أديان مختلفة كانت حروبًا بين مسلمين ومسيحيين”. ويتوقع أنه سوف يوجد تعاون بين الدول الإسلامية والصين ضد عدو مشترك وهو الغرب..

و يستعرض هنتنجتون ثلاثة أسباب تجعل الغرب أفضل من باقي العالم حسب وجهة نظره وهم:

– الأفضلية العسكرية للغرب

– الترويج لقيم ومفاهيم غربية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية

– فرض القيود على غير الغربيين المهاجرين داخل الدول الغربية.

و إذا كان “هنتنغتون” يجعل الغرب في مقابل بقية العالم، خاصة الإسلام والحضارة الكونفوشوسية (الصينية) باعتبارهما قوة كبيرة، من المحتمل أن تشكل تهديداً على قيم الغرب وحضارته في المستقبل، فإن أطروحتنا  تستشرف المستقبل من أجل دفع الأخطار المحدقة، ومن أجل خلق حوار حضاري بين الشمال والجنوب، و تحليلنا الوقائي يحدد بدقة هواجس الغرب ومخاوفه من العالم الآخر، فقال المنجرة في كتابه “قيمة القيم”: ” للغرب في بداية الثمانينيات ثلاثة هواجس أساسية هي: الديمغرافية، الإسلام واليابان، أما هواجس وانشغالات وهموم اليوم فهي التخوف من الهجرة الذي عوض هاجس الديمغرافية، والخوف من الصين الشعبية التي عوضت اليابان، فيما زاد هاجس الإسلام في شكل خوف من الإسلام بوجه مكشوف، يقرن بصفة تلقائية الإسلام بالإرهاب بواسطة الإرهاب اللغوي والإعلامي”. ..

كل هذه المخاوف تجعل الغرب في حالة دفاع عن النفس، و الدفاع عن النفس سيكون بافتعال الحروب، واختلاق الأزمات، وبث الخوف، ولن يتحقق له ذلك إلا بعد شحن مجتمعاته بأنه في حالة حرب، وأن ثقافته وقيمه في خطر من الآخر، ومن ثم فإن الحرب المقبلة في التحليل الأخير هي “حرب ثقافات وحضارات بين الشمال والجنوب، وهي حرب بين فكرة التسلط والاستبداد الحضاري، وبين فكرة الاختلاف والتعدد”.

و بناءا على ذلك .، فإن اختلاف القيم “ستكون أحد الأسباب الرئيسية للحروب المقبلة، وللنزاعات والصراعات”، وبما أن الغرب يسعى إلى الهيمنة والسيطرة على الآخر قيمياً وثقافياً ومعرفياً، وكذا سياسياً واقتصادياً، فإنه سيشن حرباً ضد منظومة القيم الأخرى بكل ما يملك من قوة وسلاح، لذلك “فوراء الحرب المفتوحة ضد الإرهاب، تظهر حرب أخرى ضد منظومة القيم”، ووراء الحروب التي تشن ضد العرب والمسلمين، تظهر حرب ضد القيم غير اليهودية والمسيحية، تحث ذريعة  “محاربة الإرهاب”، فالحرب ضد الإرهاب بنظرنا ليس هدفها القضاء على التطرف والأصولية وأعداء الحرية والإنسانية، كما يسوق في كل مرة، بل هي من أجل بث الرعب والخوف في العالم، فقد أصبح حكم العالم يدار بالخوف…

وبالعودة إلى الصراع الدائر بين الصين وروسيا من جهة و أمريكا والغرب الجماعي من جهة أخرى  سوف نجد أن الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على ما تضمنته أطروحة “هنتغتون”، وبغرض الحد من اندفاعة الصين، و تقليص و ثيرة صعودها تعتمد على قاعدة حقوق الإنسان، وحق الإنسان في الحرية، وفي الرأي والكلمة والموقف، والحياة والوجود.. لذلك، سوف نلاحظ أن خطاب أمريكا والغرب عموما، يركز على غياب الديمقراطية في الصين و سيادة الحكم الشمولي..وبالتأكيد كلمة حق اريد بها باطل… هو ما سنحاول توضيحه في المرات القادمة إن شاء الله.

مدون من فلسطين المحتلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *