كتب هيثم خزعل
في مرحلة اشتداد الصراع على تغيير بنية السلطة الكونية لا مكان للتسويات. الإصرار الإسرا/ئيلي على عدم إيقاف الحرب يعود إلى أمرين:
١- رفض القوى الإمبريالية التي تشكل بنية السلطة الكونية هزيمة إسرا/ئيل لأن الهزيمة تعني تسريع عملية الانقلاب في ترتيبات هرم السلطة الكونية القائمة على إخضاع شعوب منطقتنا وشعوب الجنوب العالمي عموما في صيرورة مستمرة منذ ما يقارب الخمسة قرون من الزمن. سياق الإبادة في غزة لا يشذ عن سياق الإبادات الغربية المستمرة للحفاظ على نمط العلاقة القائمة وهي واحدة في ما يسميه الدكتور علي القادري “الإبادات البنيوية” التي تشكل ركيزة الهيمنة الغربية على العالم، عالم الجنوب بالتحديد.
٢- يقول الدكتور علي القادري أن إسرا/ئيل تمثل ذراعا وظيفية للإمبريالية الغربية، فيما يقول الدكتور سيف دعنا أن “إسرا/ئيل بعد انتصارها في حرب ال٦٧ باتت شريكا في بنية السلطة الكونية” وعليه هناك ما يشبه التفاعل الجدلي بين “وظيفية” إسرا/ئيل وهوامش “استقلاليتها” وكلا المعطيين يقودان إلى أن الإصرار الإسرا/ئيلي على استمرار الحرب، وهو بالمناسبة مصلحة غربية خالصة، مرده أولا إلى تأمين بيئة استراتيجية آمنة لاستمرارية هذا الكيان و إثبات جدارته لموقعه الوظيفي بما يضمن استمرار الاستثمار الغربي فيه في الحاضر والمستقبل. النصر الإسرا/ئيلي الحاسم يهدف إلى إبقاء الردع الغربي قائما في وجه سكان الجنوب العالمي.
٣- هناك ارتباط أيديولوجي غربي إسرا/ئيلي يجعل من “الصهيو/نية” أداة سياسية وأيديولوجية لسلطة الرأسمال العالمي.
٤- كل ما يحكى منذ ستة شهور عن خلافات أميركية إسرا/ئيلة وغربية إسرا/ئيلية وعن عناد نتنياهو ليس سوى مضيعة للوقت بتفاهات انزلق إليها كل التائهون الذين حادوا عن تعريف بنية النظام العالمي وبنية العلاقات فيه وموقع إسرا/ئيل منها. هذه “البروباغندا” هي جزء من حملة العلاقات العامة الهادفة إلى التعمية عن الواقع وإلى بيع الوهم للناس بحيادية غربية ما ومحاولات غربية للضغط على إسرا/ئيل. الخلاف إن حصل فهو ليس على أصل الفعل “الإبادي” بل على كيفية تقديمه للجمهور وكيفية إدارة الحرب لتقديمها كمادة مقبولة للناس.
٥- الرهانات على “المظاهرات الغربية” و “الخسائر الاقتصادية للكيان” هي رهانات غير منطقية بالمرة. الكتلة السكانية الغربية بمجملها إستفادت ولا تزال من نمط العلاقات الإخضاعية القائمة بين الشمال والجنوب والتي يجبي بموجبها الشمال ريوع وفوائض العملية الإبادية والتي تذهب إلى معظم شرائح المجتمعات الغربية للحفاظ على نمط معيشتها واستهلاكها. أما الأكلاف الحربية فهي استثمار مستقبلي يجني الغرب ثماره من خلال الحفاظ على بنية العلاقة القائمة مع دول الجنوب.
٦- كل المستفيدين من الترتيبات الغربية في المنطقة هم بالضرورة إلى جانب إسرا/ئيل في هذا الصراع. من أكبر حاكم لكيان إلى أصغر مصرفي وتاجر أو زعيم زاروب. إن تهديد موقع إسرا/ئيل في المنطقة هو تهديد لبنية العلاقات الدولية ولبنية علاقات المنطقة بالمركز الغربي الإمبريالي، بالتالي هو تهديد لوظيفية هؤلاء جميعا.
٧- بعد ستة أشهر من الصراع ورغم أكلافه البشرية الكبيرة، تبدو إسرا/ئيل ك”دب مهشم” جراء الأضرار البنيوية التي طالتها وجراء انكسار الهالة التي أحاطت بها منذ خرب ال٦٧. هذه الأضرار غير قابلة للترميم والحل الوحيد لتجاوزها هو العودة بالزمن إلى ٦ أكتوبر ٢٠٢٣ وهذا أمر مستحيل.
٨- كون العالم وحدة واحدة، والصراع صراعا واحدا، فإن الحرب الدائرة حاليا هي جزء من حالة الحرب العامة الحاصلة في العالم لتغيير “النظام الدولي” والتي تأخذ أشكالا مختلفة عسكرية وسياسية ومالية واقتصادية وهذا ما يطيل في عمر الحرب وما يعقد معانيها ومآلاتها. رغم الاختلال الحاصل في موازين القوى فهي لا تزال متقاربة وبالتالي لا إمكانية لحسم حرب في بقعة عالمية دون غيرها أو في ميدان دون غيره والحسم سوف يكون بنهاية هذا الصراع وانعكاس موازين القوى الناشئة في شكل إدارة العالم وبنية النظام الدولي القادم. في ظل هذا الصراع بين القوى الدولية “النووية” لا شيء محسوم سلفا سوى أن الصراع سوف يستمر وأننا في أحد أكثر فصوله عنفا.
اترك تعليقاً