بقلم هيثم خزعل
في العقد الأخير، خاضت قوى الغرب الإمبريالي عدة حروب لم تحسم نتائجها باستثناء الحرب الخاطفة في ليبيا والتي حصلت في ظل عدم تبلور واضح وكاف للمحور الدولي المعادي للغرب الإمبريالي.
بقيت نتائج الحروب في سوريا وأوكرانيا واليمن معلقة دون مقدر القوى الإمبريالية على الحسم، فيما استطاع الخصوم عرقلة هذه القوى ومنعها من تحقيق أهدافها دون أن يستطيعوا الحسم هم كذلك.
هناك ساحات صراع أخرى لم يبلغ مستوى الصراع فيها المواجهة العسكرية بل كان ميدانها مالي واقتصادي وسياسي محوره العقوبات والثورات الملونة ومحاولات الانقلاب من إيران إلى فنزويلا وميانمار مرورا بوسط آسيا والقوفاز وأفريقيا وصولا إلى شرق آسيا وبحر الصين.
المواجهة في غزة والمنطقة اليوم هي فصل من فصول هذا الصراع وهي من نوع الحروب التي سوف تبقى نتائجها “معلقة” دون المقدرة على الحسم لأي من الطرفين. في أسوأ الأحوال، حتى لو نجح الأميركي في غزة ذات ال٣٦٠ كلم مربع في تحقيق أهدافه المباشرة، فالحرب أنتجت تصدعات في بنية الردع الأميركي في المنطقة. هناك استحقاق داهم يتصل بالجبهة الشمالية لإسرا/ئيل، واستحقاق آخر يتصل بالهيمنة البحرية الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وصولا إلة المحيط الهندي، واستحقاق يتصل بجبهة الجولان وهو تحد كان خارج الحسابات، بالإضافة إلى نشاط فصائل المقا/ومة العراقية في استهداف العمق الإسرا/ئيلي ونقاط التموضع الأميركية في سوريا والعراق.
هذه التحديات التي تتصل بشكل مباشر بالمعركة في غزة هي نتاج فلسفة “وحدة الساحات”. منطق “وحدة الساحات”، التي يتخذنها أذناب الأميركي في المنطقة وكل القلقين من تصدع منظومة الردع الأميركية وما سوف ينتج عنها لاحقا من تداعي النظام الإقليمي الذي حاولت الإدارة الأميركية أن تبنيه، مادة للتندر كانت هاجس الولايات المتحدة الأول في الشهور الستة الماضية.
حاولت الولايات المتحدة بحضور أساطيلها وبالترهيب، والترغيب بتقديم صفقات منفصلة لحز/ب الله في لبنان ولأنصا/ر الله في اليمن كسر منطق “وحدة الساحات” وفصل المعركة في غزة عن المعركة الأشمل والأوسع التي تتصل بمنظومة الردع الأميركي في المنطقة والذي شكلت إسرا/ئيل فيه ولا تزال أهم نقاط ارتكازه.
طبعا، خاب المسعى الأميركي في “فصل الساحات” واضطر الأميركي للحضور وخوص صراع مباشر في البحر الأحمر، ولإمداد إسرا/ئيل بالمعدات اللازمة للقتال على أكثر من جبهة. طول فترة المعركة، رغم تداعياتها القاسية على سكان غزة، كرست التصدعات التي أصابت الردع الأميركي وهي فتحت عقل الإدارة على تساؤلات أهمها كيفية خوض الحرب البحرية بوجه الصين في ظل العجز عن ردع قوة إقليمية ناشئة كأنصا/ر الله في اليمن.
في ظل هذه التحولات، ثمة تحول طرأ أيضا على تموضع حركة حما/س التي كانت تعتبر تاريخيا جزء من الحركة العالمية للإخوان المسلمين والتي باتت تتموضع بحكم سياق الصراع في المحو/ر الإقليمي المعادي للولايات المتحدة والذي يشكل جزءا من المحور الدولي المعادي للأخيرة. هذا التحول الذي فرضه سياق الصراع العالمي عزز منطق “وحدة الساحات”.
في الخلاصة، هناك أضرار أصابت منظومة الردع الأميركية في المنطقة وفي زمن الأزمات البنيوية التي تعصف بالنظام الرأسمالية العالمية فإن بضعة مليارات تصرف على عجل لمصر وقرض من صندوق النقد يصرف لباكستان وتسهيلات مالية لتركيا لن تنجي هذه الدول من ارتدادات الأزمة العميقة التي تضرب المراكز الغربية ومفاعيل هذه المليارات ليست مستدامة في إبقاء الطوق الأميركي على رقاب هذه الدول وعلى رقاب أهل المنطقة عموما. ثمة جمر كثير يعتمل تحت رماد المنطقة، وهو في ظل الضرر الذي أصاب صورة الولايات المتحدة الفاعل الرئيسي في الإبادة الجماعية الحاصلة، ينتظر فرصة التحول إلى نار تحرق كامل المركب الأميركي في المنطقة.
اترك تعليقاً