هيثم خزعل
ثمة فقاعة اليوم إسمها “العملات الرقمية” وفقاعة أخرى إسمها “الذهب”.
ما يحدث ليس ارتفاعا في سعر الذهب ولا في سعر البيتكوين. “جنون الأسعار” هو انعكاس لمشهد الفوضى العالمي. من باب العلم، ليس صحيحا أن يقال هناك ارتفاع في سعر الذهب أو البيتكوين، الأصح أن يقال أن هناك “انخفاضا في سعر الدولار أو في قيمة الدولار بالأحرى”. سعر الذهب والبيتكوين يقاس بالنسبة للدولار، الدولار هو وحدة قياس القيمة هنا. ما يحصل من ارتفاعات في السعر هو انعكاس لتوقع جماعي بقرب بداية مشوار “خفض سعر الفائدة” حيث ارتفاع سعر الفائدة المتواصل يخنق الاقتصادات الغربية وينذر بموجة إفلاسات كبرى تضرب الأسواق. بداية خفض سعر الفائدة يعني تأجيل انفجار موجات الأفلاس، لكنه يعني في المفلب الآخر إعادة إطلاق “وحش التضخم وارتفاع الأسعار”. ليست أسعار الذهب والعملات الرقمية ما سوف يرتفع، هذه الأسعار ترتفع لأن الذهب والعملات المشفرة هي ملاذات للإدخار بديلة للدولار لحفظ قيمة الثروة وليس لقيمتها الاستعمالية والتبادلية، كل أسعار السلع سوف ترتفع قياسا بالدولار.
الذهب والعملات الرقمية هي وحدات حفظ للثروة في مرحلة إنتقالية سوف ينهار فيها الدولار إذا عجزت الولايات المتحدة عن كسب الحرب ضد روسيا والصين وإيران، أما الثروة الحقيقية فهي موجودة في هذه الدول الثلاث، الصين ببناها الصناعية الهائلة وروسيا وإيران بمواردهما الكبيرة. الذهب والعملات الرقمية يشكلان آنيا ملاذا لحفظ قيمة الثروة وهذا مؤشر على أن لحظة انهيار الدولار وهرم الديون العالمي وانفجار فقاعات الرأسمال المالي آتية، أما العملة القادمة للعالم فستكون عاكسة لموازين القوى الاقتصادية والسياسية بعد تبلورها وبعد ولوج البشرية إلى نظام دولي جديد وستكون للدول صاحبة القدرات الإنتاجية والموارد اليد الطولى في ضمان قيمتها.
كل هذا سوف يحدث، والحروب التي تفتعلها الولايات المتحدة لن تعكس هذا الاتجاه التاريخي الحتمي وهو قد بدأ منذ زمن ويتكثف اليوم على مستوى النتائج. لم تقدر الولايات المتحدة على هزيمة روسيا وهي غير قادرة على عزل الصين عن الاقتصاد العالمي لأنها ستكون كمن يطلق النار على رجليه، ما تقدر الولايات المتحدة على فعله هو محاولة مواجهة الصين عسكريا كسيناريو أخير وهو بطبيعة الحال لن يخرجها ويخرج العالم من أزماته الحادة. العالم يتهيب لحظة انتقاله إلى “عالم ما بعد الغرب”.
اترك تعليقاً