كان على مر التاريخ، في فترات الانحدار الحضاري، لتجمع معين، تصاب فئة معينة بحنين إلى مجدها السابق، لتحول إلى ما يُعرف بأنتلجنسيا اجتماعية منفصلة تمامًا عن واقعها. وفئة أخرى تعتز بتراثها وتحثُّ غيرها على الفعل المضاد للارتكاس.
عرف مجتمعنا العربي والإسلامي قبل غيره بذرة بروز الحركات والتنظيمات السياسية والاجتماعية. لنتوقف عند تجربة العيارين الذين صعدوا إلى مسرح الفعل عقب ظهور المجتمع العباسي. كانوا فئة متضامنة في بادئ الأمر تنشط في قطع الطريق والسطو على الدور، دون أن يمس عملهم الفقراء بل حصراً التجار والمسافرين الموسرين. لكن للعيارين شبكة مفاهيم، نكتفي بذكر سمتين. وهنا نقتبس من كتاب هادي العلوي في “قاموس التراث”: “أن لا يسرقوا فقيرًا ولا امرأة ولا كريمًا ولا جارًا ولا يردوا على الغدر بالغدر – أن يكتفوا إذا سطوا على منزل بسرقة نصف ما فيه ويتركوا النصف لأهله كي يعيشوا به”.
في جنوب إفريقيا وأميركا الشمالية، كان للاستعمار شكلًا معينًا حيث كان الغزاة يقومون دائمًا بإجتراح سلطات موالية لهم لتوقيع اتفاقيات تنص غالبًا على منح حقوق وحكم ذاتي. ولكن سرعان ما يتحول الأمر إلى مأساة. يؤدي على سبيل المثال إلى انقضاء الحق بانقضاء الجماعة عينها، وهو ما كان لأميركا الشمالية نموذجًا صارخًا. في هذا السياق، نرى تمددًا يوميًا تقريبًا للمستوطنات في الضفة الغربية على أنقاض السكان الأصليين. وفي سياق آخر، على بعد كيلومترات قليلة، تقاتل غزة، التي تعتبر بالمجمل خارج التقويم التوراتي المباشر، منذ أكثر من نصف عام.
لا نطلب من الطاعنين بالمقاومة التحلي بالسمات الشريفة عملا يتعالى عن تعاليم دينهم، أو قوميتهم، أو حقهم بالبقاء السياسي الذي يغذيه، سوى الصمود ومزيدًا من القتال، بل على الأقل التحلي بجزء مما كان لدى العيارين.”
اترك تعليقاً