اين تنتهي المغامرات والرهانات المارونية في لبنان؟.
أ.حسن عماشا

على قاعدة خذوا اسرارهم من صغارهم، في مفهوم الكنيسة المارونية وافرازاتها السياسية.
يكون الشيعة لبنانيون اذا كانوا ملحقين بالطوائف الممتازة ومجرد عمال نظافة وعتالة على الميناء وفي سوق الخضار لبنانيين. اما حين يكون لهم شخصية سياسية مستقلة وأصحاب رؤوس أموال ويشترون اراضي وعقارات ونخب متعلمة ويمارسون طقوسهم الدينية على الملأ، فهم حينها غير لبنانيين.
كل السرديات المبنية على هذه المفاهيم وما تشيعه من سذاجة وسطحية يرفضها ولا يتقبلها عاقل تخفي حقيقة تضرب في الصميم اساس الفكر الكياني اللبناني الانعزالي.
تستشعر المارونية بكل تجلياته السياسية والاجتماعية خطر انهيار أسس الكيان الذي توهمت انه وطن لها ولو ارتضت على مضض قبول شراكة إسلامية بمذاهبها المختلفة تبعا لمقتضيات ومصالح الاستعمار الفرنسي في حينه.
واذا استثتينا الدروز في جبل لبنان فان كل الطوائف الإسلامية كانت ترفض التقسيم الاستعماري للمنطقة، فيما قبلت الغالبية الاسلامية هذا التقسيم نتيجة هزيمة الثورة العربية واستسهال بعض الزعامات الإسلامية التقسيم مقابل حصص ومكاسب خاصة.
الا انه في الواقع التاريخي، كان الشيعة بالتحديد اخر من التحق بالكيان نتيجة انهيار المشروع الوحدودي العربي والحصار والحرمان الذي عاشوه خصوصا في جبل عامل والبقاع. من دون أن يغير ذلك في قناعتهم بهويتهم العربية وطوقهم إلى الوحدة. وتجلى ذلك في احتضانهم لكل التشكيلات السياسية ذات البعد القومي من الناصرية والبعث والقومي السوري وحتى اليسار الوحدودي كما انخرطوا في صفوف هذه التشكيلات.
فشكلت البيئة الشيعبة أوسع حاضنة للثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وحتى هزيمتها في العام ١٩٨٢.
كان الشيعة مهمشين حتى العام ١٩٧٠ حيث جاء السيد موسى الصدر وأسس “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” والذي حاز على الدعم والاعتراف به من قبل المارونية السياسية لمواجهة تنامي النفوذ السني الذي أصبح يهدد الهيمنة المارونية وامتيازاتها في السلطة والادارة، والمستند إلى الدعم السعودي والوجود الفلسطيني المسلح الذي اضحى ينظر إليه باعتباره جيش السنة في لبنان.
وبعد حيازة الشيعة على الاعتراف بها كطائفة مستقلة وتشكلت لها مؤسساتها مثل المحاكم المستقلة والجمعيات الراعية. ومن ثم التشكيل السياسي والذي تمثل “بحركة المحرومين” وما تبنته من شعارات تحاكي مطالب الناس في الأطراف بمن فيهم ابناء الطوائف الأخرى الذين في حاضنتها الشعبية.
في الخلاصة راهنت المارونية السياسية على تناحر سني – شيعي لم يحصل. ما دفع عتات المارونية إلى تفجير “الحرب الأهلية” بعنوان مواجهة النفوذ الفلسطيني على اعتباره ذراع السنة العسكري في لبنان. وفي النهاية حين فشل هذا المشروع في تحقيق هدفه باستعادة الدور الماروني ذهب الموارنة نحوى التقسيم. وهذا المشروع التقسيمي لم يحظى باي حاضنة إقليمية او دولية، فتحول الرهان إلى الكيان الصهيو/ني الذي لم يتبنى خيار التقسيم انما قدم مشروع بديل وهو إخراج النفوذ الفلسطيني من المعادلة وبذلك توهمت المارونية السياسية بأن تستعيد نفوذها وسطوتها بدعم غربي – “إسرائيلي”. فكان شعار “ال١٠٤٥٢” بديلا لشعار ومشروع التقسيم مغلفا بعناوين حسن الإدارة والعدالة الاجتماعية والحوكمة الرشيدة.
جاء اجتياح ١٩٨٢ واخرج منظمة التحرير من لبنان وظن الموازنة ان الحلم تحقق وتوج بانتخاب بشير الجميل للرئاسة بدعم ورعاية اميريكية “إسرائيلية” وتبني عربي خليجي.
لم تستمر النشوة بالحلم الا ايام معدودة، تم اغتيال بشير الجميل الرمز للدبابة الاسرائيلية، وفتح مسار اخر راس حربته شيعية كانت حصيلته هروب الوجود العسكري الأميركي والاطلسي من لبنان هروبا افقيا مجسدا بداية انهيار للمشروع الاسرائيلي والحلم الماروني. ومن ثم تفرغ الشيعة لمواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” والذي أثمر تحرير شبه كامل في العام ٢٠٠٠.
بعد هذا التاريخ أصبح الحضور والنفوذ الشيعي يحتل المرتبة الأولى من دون أن يترجم ذلك في التشريعات والقوانين والاعراف، ولم يكن من حاجة لها ما دامت التشريعات والاعراف القائمة تمنع تجاوزهم في اي شان عام.
هنا تكمن خلفية التحريض الطائفي الماروني ضد الشيعة،
وهي تبني رهانها اليوم على عزل الشيعة لكن هذا الرهان يبدو أكثر سذاجة وسطحية من الرهانات السابقة.
وخطورة الرهانات المغامرة اليوم انها في انجرافها إلى المغامرة قد تؤدي إلى تهديد الوجود المسيحي وليس بيد الشيعة الذين هم على المستوى العقائدي والاجتماعي يحرصون على التعايش والتفاعل مع المذاهب والطائف المختلفة. انما الخطر يمكن في قوى التطرف الديني المدعوم من قبل الرعاة أنفسهم الذين يدعمون التطرف والمغامرين الموارنة.
العنصر المطمئن في هذا المسار هو أن الشيعة أنفسهم وقوتهم المتمثلة بالحزب اليوم سيكون الدرع الواقي دفاعا عن المسيحيين وغيرهم تماما كما فعل في سوريا وجرود البقاع.
فهل يعلم المسيحين إلى أين تدفعهم المارونية السياسية التي تمثل تاريخيا سياسة الكنيسة المارونية وافرازاتها السياسية المغامرة.
عن الكاتب:
احث وكاتب لبناني له أبحاث ومقالات عدة حول الفكر السياسي والقضايا الوطنية، نشرت له مقالات في الصحف اللبنانية منها النهار والسفير والأخبار وموقع الحوار المتمدن
اترك تعليقاً