سياسة الاغتيالات الاسرائيلية

أ.مهيب صدوق

سياسة اسرائيل في اغتيال قادة المقاومة قديمة ومتجددة فقد اغتالت اسرائيل نحو مئة وعشرين قيادي سياسي فلسطيني على طول فترة الصراع مع المقاومة الفلسطينية وكذلك المئات من السياسيين والقادة الاسلاميين في لبنان .
لاحظنا أن هذه الاغتيالات لم تطفئ يومًا من جذوة الصراع بل وبالعكس اشعلت جذوة الانتفاضة وتأجيجها لأن هذه القادة الشهداء يرسمون بأسماءهم وبسيرهم نهايتهم الجليلة دور ملهم لأجيال جديدة تأتي من بعدهم .
فضَّل العدو اغتيال الشخص الذي يتفاوض معه ، وهذا يعني اغتيال مائدة التفاوض بكل أدوار الذين يتحلقون من حولها.
حركات المقاومة منذ غزو لبنان واحتلال بيروت( شهدت وقتها محنة كبرى و تخادلًا عربيًا كالذي نشهده الآن وترتب عليها خروج جيل من المقاومين من بيروت ثم انشأ جيل آخر من المقاتلين أُفضل تسميته بالمقاومة من نوع مختلف لأنها نشأت على حد ثقافة الإستشهاد ثم استطاعت أن تكتسب مع مرور الوقت ومع تطور المعارك تكنولوجيا متحدية …
فبعد شهور قليلة من احتلال بيروت ودخول الأسطول السادس من المشاة الأمريكية والفرنسية حدثت عمليتين استشهاديتين أسقطت 240 جنديًا من المشاة الأمريكية و50 جنديًا من المشاة الفرنسين مما كان لها أثر وفزع قوي في نظر الرئيس الامريكي رونالد ريغان آنذاك مما اضطره لسحب قواته .
هذه المقاومة بدأت وعدًا تشكك الكثير في نتائجه وصولًا الى الالفية مع جلاء القوات الاسرائيلية من لبنان بدون قيد ولا شرط ولا اتفاق تطبيع في عصر قيل لنا فيه أن السلام هو خيارنا الاستراتيجي.
برزت هذه المقاومة ثم انتقلت إلى قطاع غزة ورأينا العجب العُجاب من مقاومتنا الباسلة المظفرة في غزة .
ما ميز هذه المقاومة ايضًا أنها تميزت بصلابة الهيكلة التنظيمية ومرونتها الفائقة بحيث توفر بدلاء لمن يقضون نحبهم.
الكيان الاسرائيلي الذي زج نفسه بين فكي حرب استنزاف ممتدة ، لا يستطيع معها الرجوع إلى الخلف ، ولا التقدم إلى الأمام فرأى أن يلجأ إلى نمط ( المعركة بين الحروب ) و طيلة سنوات عديدة، تميزت الأنشطة العسكرية الإسرائيلية بمرحلتين مترابطتين: الأولى هي التحضير للحروب بما يشمله ذلك من تطوير المفاهيم العملياتية ضد الأعداء، وآليات بناء القوة اللازمة للمشتريات وتطوير الأسلحة، فضلاً عن تدريب العناصر وتنظيمهم، وقد بلغت جميعها ذروتها في الاستعدادات النهائية للصراعات الوشيكة. وتتعلق المرحلة الثانية باستخدام القوة أثناء الحرب ودعم الجهود القتالية. وحتى العقد الماضي، كانت إسرائيل تشعر بأنها مضطرة إلى التركيز بشكل شبه حصري على هاتين المرحلتين من أجل الدفاع عن حدودها والتصدي للتهديدات الإرهابية الخارجية.

وفي الوقت نفسه، كانت طبيعة التهديدات التي يتعرض لها أمن إسرائيل تتغير بشكل كبير. فقد أدى ضعف الدول العربية وجيوشها إلى نشوء واقعٍ تطورت فيه التهديدات التقليدية وغير التقليدية ودون التقليدية

وتشكِّل “الحملة بين الحروب” تغييرًا جوهريًا في نمط العمليات الأمنية الإسرائيلية على مدار الاعوام الماضية، وهي إحدى العوامل الرئيسية التي ساهمت في إطالة فترة الهدوء النسبي الذي تتمتع به البلاد على طول حدودها الشمالية. فهذا المفهوم يبتعد عن المقاربة الثنائية المتمثلة في الاستعداد للحرب أو شنها علنًا ، ويقوم على اتخاذ إجراءات هجومية استباقية تستند إلى معلومات استخبارية عالية الجودة وجهودٍ سرية. إن الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية وهي الشدة أو متوسطة الشدة ، وبين الحرب الكبرى التي يمكن أن تقود إليها ، لكنه اختار توسيع نمط المعركة بين الحروب وتعميق خطوطها حتى جنوب العاصمة اللبنانية ، وشمال العاصمة الإيرانية ، و العاصمة السورية ، على أساس أن ذلك من شأنه أن يضخ الدماء في جسده الذي يعاني من إجهاد شديد ومن تفش لأمراض نفسية ، فضلا عن نقص في كتائبه القتالية ، وبالتالي وضع الشرق الأوسط كله فوق مأزق صعب ، كان حله الوحيد عند وزير الثقافة والتراث الإسرائيلي هو وقف كل الاتفاقيات، واغتيال كل زعماء المنطقة ، أي إغراق الإقليم كله في الفوضى .
ومن الجدير ذكره أن الأعراض المرضية للرئيس بايدن لم تكن إلا سببًا معينًا لإجباره على الاستقالة ، لكن التاريخ يدمر أن الأمريكيين أدخلوا معظم رؤسائهم إلى مصحات نفسية ومن هذه الأحداث ما حدث روزفلت فرانكلين وجونسون نفسه من جراء ذلك ، وما أخص ذكره الرئيس نكسون ، رغم أنه واحد من أنضج العقول الإستراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة ، ففي أوج تحولات الحرب في فيتنام ، أُتهم بالانفصام وهو ما خلى الباب أمام البنتاجون لإظهار سطوته وقتها .
اول خبر عن الحالة الصحية لبايدن صدر من الكونغرس، وهو ما عزز قوة الكونغرس خاصة وأن الكونغرس هو الذي أقر مشروع قانون ملزم بوضع نظام صاروخي في الشرق الأوسط ، يشرك الخليج العربي مع اسرائيل ، وقد كان المدهش في مشروع القانون أن الكونغرس ، قد اعتبر أن فضاء وأرض دول عديدة في الشرق الأوسط هي مجرد جزء من الأرض والفضاء الأمريكي الذي يخضع لسلطته التشريعية ، لكن الكونغرس واجهة فقط ، أما مشروع القانون فقد كان شأنًا خالصًا البنتاجون .
حسب الحوادث التاريخية فإن الكونغرس مجلسه لا يستطيع أن يرد طلبًا للبنتاغون ، وحتى إذا حدث ذلك فإن البنتاجون قادر على أن يفرض إرادته ، وإعلان حرب كوبا اكبر دليل على ذلك عندما رفضت الإدارة الأمريكية الحرب بسبب وجود استثمارات لهم في كوبا ،وذلك عن طريق حرق سفينة لأمريكا واتهام كوبا بذلك طبعًا كلها من تدبير البنتاجون .
غير أن بصمة إحراق سفينة أمريكية لتبرير شن عدوان ظلت متكررة في كل حروب أمريكا ، وهي ذاتها البصمة التي تم استخدامها مؤخرًا في واقعة مجدل شمس ، تبريرًا لضرب جنوب العاصمة اللبنانية ، واغتيال السيد فؤاد شكر .
ومن الملاحظ أن التطبيع العربي الاسرائيلي العسكري في الإقليم قد تأكد أنه هو جوهر التطبيع ، وأن التطبيع الشعبي او السياسي كلها مجرد أدوات ، كما أن إعادة انتشار القوات الأمريكية في الإقليم في الوقت الذي يتم فيه نقل قوات أمريكية تتجاوز 20 ألف جندي مع سرب من الطائرات المقاتلة ووحدات قتال بحرية إضافية .
أتصور أن الرد على اغتيال هنية من قبل إيران وحماس وحزب الله سيكون في الميدان فقد لاحظنا بأن الايام الأخيرة تجدد عمليات حماس واخواتها في قلب غزة وهذا هو الرد الحقيقي والأساسي
وفي تقديري الرد الايراني قادم وسيكون مختلفًا عن رد ابريل الماضي وسيكون مختلفًا بالتأثير لأن إيران أدركت مما جرى بابريل ولكن لن يكون مختلفًا في حقيقة أن اسرائيل التي تنتفخ غروراً لا تستطيع الدفاع عن نفسها بدون دفاع امريكي وبريطانيا وفرنسا والاردن والإمارات والبحرين فهي أشبه بطفل محمول على أكتاف الغرب الجماعي وتحول هدا الطفل المحمول على الأكتاف إلى فم ناطق بإسم من يحمله .
الرد هذه المرة لاعتبارات قائمه لإحساس إيران بالإهانة لاغتيال ضيفًا لها على أرضها وما تكشف من خلل أمني في التركيبة الإيرانية عمومًا وهذا الخلل له أسباب حتى من قبل ثورة الخميني فايران دولة متعددة القوميات وبالتالي هي إزاء خليط من الأجناس وعند قراءة دقيقة للجغرافيا السياسية والسكانية الايرانية المعقدة تظهر تشكلها من خليط من الأجناس والقوميات التي تحيط بهضبة فارس وان كل هذه القوميات تحيط بهضبة فارس لها امتداداتها القومية في دول المجاورة لها فهضبة فارس معزولة داخل وسط من القوميات المتعددة فمن الغرب والجنوب الغربي تحيط فيها الأحواز العربية التي تفصلها عن شط العرب والخليج العربي حتى مضيق هرمز ومن الغرب والشمال الغربي يحيط بها إقليم كردستان التي تجاور كردستان العراقية والتركية ومن الشمال إقليم الاذريين المجاوريين لاذربيجان أما الشمال الشرقي فإن التركمان تفصل جمهورية إيران عن جمهورية التركمانستان وفي الشرق والجنوب الشرقي فإن بلوشستان تفصل إيران عن جمهورية أفغانستان .
ومن ذلك يمكن ان نخلص بإستنتاجين رئيسيين هما : إن القوميات الموجودة داخل إيران لها امتدادها في الجوار الإيراني فالاحواز لديهم عمق عربي كبير في العراق والترك لهم عمق في تركمانستان وتركيا الحديثة وكذلك الاذر لهم عمق في اذربيجان أما القومية البلوشية فلها امتداد في أفغانستان لذلك لا بد من وقوع اضطرابات قومية أو طائفية بسبب شعور الأقليات بعدم المساواة مع القومية الطاغية هناك ويسهل تجنيدها من أي طرف خارجي .
واخيرًا نحن نرى ان في جعبة محور المقاومة اوراق كثيرة يحتفظ بها لقناعتهم ان الصراع قد يتطور فمثلاً اعلان معركة مفتوحة مع الوجود الامريكي بالعراق وفي شرق الفرات واستهدافهم في الاردن وايضا عبور بري شبيه بما حدث في السابع من اكتوبر الى الجليل او ادخال سوريا على خط المواجهة بشكل مباشر او اغلاق شرق المتوسط بوجه العرب الجماعي واسرائيل وكذلك التلويح بامتلاك سلاح نووي ايراني وايضا دخول صواريخ فرط صوتية على الاسطول الامريكي ايضًا قطه امدادات النفط لاوربا من المنطقة.
بسبب كل هذا يجبن الاسرائيلي والامريكي الدخول في معركة مفتوحة وسيضطر الى ابتلاع الرد من محور المقاومة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *